في التفكير بإدارة مؤقتة لعموم الشمال السوري

0

في التفكير بإدارة مؤقتة لعموم الشمال السوري

حسان الأسود

نورث برس

آراء

01-03-2023

كانت الاستجابة الأهليّة لمعالجة آثار كارثة الزلزال أسرع وأنجع من استجابة المجتمع الدولي ومؤسسات سلطات الأمر الواقع كلها تقريباً، يكفي أنّ جهود الإنقاذ في مناطق الشمال السوري المنكوبة، كانت قد قامت بها مؤسسة الدفاع المدني وذلك بمساعدة شعبيّة من السكان المحليين. كما يكفي أنّ شحنات المساعدات المنقولة من مناطق سوريا الداخلية فاقت مثيلاتها المقدّمة من الدول والمنظمات الدولية في الأيام الأولى للكارثة.

غير أن فصول الأزمة لا تنتهي هنا، ولا تتوقف عند جهود إنقاذ الناس من تحت الركام، ولا عند جهود حمايتهم من البرد وتأمينهم بالمسكن والغذاء والعلاج، إنّها أزمة تدوم تداعياتها شهوراً طوالاً في الحالات العاديّة، لكنّها في مثل حالة سوريا قد تمتدّ لسنين، أو ربما لعقود.

في ظلّ أجواء الفشل المستمرة هذه لابد من التفكير بشكل خلّاق من خارج الدوائر المعتادة. تستدعي الاحتياجات الإنسانيّة بحدودها الدنيا، مثل توفير الأمان وسبل العيش والسكن والتعليم والصحّة، وجود إدارة أو تنظيم من نوع ما، وهذا يمكن توفيره بالحدّ الأدنى حتى مع غياب هياكل ومؤسسات الدولة، وتستطيع قوى الأمر الواقع أن تقوم به بكفاءة تتراوح بين حد الكفاف وحد الجودة. لكنّ الحال في سوريا أصبح خارج قدرات سلطات الأمر الواقع كلها، سواء سلطات النظام أم غيرها.

منطقة شمال شرقي سوريا بوصفها الأكثر تميّزاً عن غيرها من المناطق السورية، لما يتوفر فيها من موارد وحماية ودعم وخبرات، مازالت تعتمد بشكل كبير على التحالف الدولي وعلى الولايات المتحدة بتأمين الحماية، كما أنها تعتمد بشكل كبير أيضاً على توظيف السكان المحليين في جهاز إدارتها، أي أنّها تعتمد من حيث تدري أو لا تدري على مواردها المتاحة محلياً وخارجياً لسدّ الحاجة الاقتصادية لشرائح واسعة، وهذا واحد من أشكال البطالة المقنّعة.

أمّا منطقة الشمال الغربي؛ فتعتمد بشكل كبير أيضاً على المساعدات من المجتمع الدولي في مجالات عديدة، وكذلك على الحماية التركية العسكرية والسياسية وعلى التوافقات الدولية. مناطق النظام ليست أفضل حالاً، فهي تعتمد سياسياً على الحليف الروسي الذي يمنع انهيار السلطة، وتعتمد عسكرياً على الدعم الإيراني والروسي، كما تُرغم المجتمعات المحلية على الاعتماد على ذاتها في تأمين كفافها من مستلزمات الحياة، وهذه المجتمعات تقوم بذلك مجبرةً، بعد أن أفقدت الحربُ والنهبُ المستمر والفسادُ المستشري الدولة مواردها، وأُفرغت الخزينة وجيوب معظم السوريين.

يستدعي هذا كلّه التفكير بشكل جديد للحل، يفضي إلى ابتداع طريق ثالث يتجاوز سلوك النظام والمعارضة معاً ومصالحهما، ويبني آليات جديدة للتفكير والمقاربة والعمل. وهذا الطريق يحتاج إلى توليفة من التقاطعات التي تصبّ بمصلحة السوريين أصحاب الأرض بالدرجة الأولى، والأتراك الراغبين بالخلاص من المشكلة السورية برمّتها وإغلاق هذا الملف الشائك نهائياً بالدرجة الثانية، ويريح المحيط العربي الذي بات يرى في استدامة الأزمة السورية خطراً محدقاً يهدد أمنه القومي بالدرجة الثالثة، والمجتمع الدولي الذي سئم الأزمة السورية برمتها وبات لديه أولويات أخرى أكثر تقدماً على جدول أعماله بالدرجة الرابعة. لكنّ ابتداع طريق جديد يبدو أمراً عسيراً ومليئاً بالعوائق، ليس أولها القبول السياسي من الفواعل الدولية وليس آخرها التمويل اللازم، وما بينهما معارضة الروس والإيرانيين لهذا الحل.

اترك رد